الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
الصيام عبادة متكاملة، لها شروط وآداب، ولها صفة وشكل، فمَنْ لم يكترث بتطبيق الشكل الذي أراده الله منا فلا يتوقعنَّ أن يرضى الله عنه؛ بل يكون قد عذَّب نفسه
يظن بعض المسلمين أن رضا الله تعالى على العبد في رمضان متعلِّقٌ فقط بامتناعه عن الطعام والشراب من وقت الفجر إلى المغرب؛ بينما الصواب أن الصيام عبادة متكاملة، لها شروط وآداب، ولها صفة وشكل، فمَنْ لم يكترث بتطبيق الشكل الذي أراده الله منا فلا يتوقعنَّ أن يرضى الله عنه؛ بل يكون قد عذَّب نفسه بالجوع والعطش، بينما لم يُحَصِّل شيئًا من الأجر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ»[1]. فالله تعالى قد فرض علينا الصيام لتهذيب نفوسنا، وتحسين أخلاقنا، وتنوير بصائرنا، أو قل إجمالًا: لتحقيق التقوى في حياتنا؛ فقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: 183]؛ لهذا فلا معنى لصيام البطن عن الطعام بينما تقع كل جوارح الإنسان في الحرام، فالواجب أن يُعَلِّمنا الصيامُ أن نحفظ ألسنتنا، وأعيننا، وآذاننا، وكل جوارحنا عن الإثم والمعصية، وهذه هي سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيام؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»[2].
وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»[3].
فلْيحفظ كل واحد منا صومَه، ولْيُكْمِل نُسُكه، ولْيعلم أن أجره في الصيام ليس مرتبطًا فقط بامتناعه عن الشراب والطعام؛ بل مرتبط كذلك بامتناع جوارحه عن الحرام!
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}[النور: 54].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] النسائي: كتاب الصيام، ما ينهى عنه الصائم من قول الزور والغيبة (3249)، وابن ماجه (1690)، وأحمد (9683)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وقال البوصيري: حديث صحيح على شرط البخاري. انظر: مصباح الزجاجة 2/69، وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع 1/656.
[2] البخاري: كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، (1804).
[3] البخاري: كتاب الصوم، باب هل يقول: إني صائم إذا شتم، (1805)، ومسلم: كتاب الصيام، باب فضل الصيام، (1151).
هذا المقال من كتاب إحياء 354 سنة للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك